عام الفيل
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل الهجرة باثنتين وخمسين سنةً، توجّه أبرهة الأشرم من اليمن بجيش كبير، عماده محاربون يركبون الفيلة، توجّه نحو مكّة لتدمير بيت الله. وقام في طريقه إلى مكة بالقضاء على كلّ من حاول الوقوف في وجهه.
وصل جيش أبرهة إلى ضواحي مكة، وكان الوقت ليلاً، فأقام معسكره هناك في انتظار الصّباح ليشرع في هجومه، بينما سارع أهل مكّة إلى الجبال هرباً منه، وأسلموا الكعبة إلى الله، فهو سبحانه الكفيل بالدفاع عنها، فهي أول بيتٍ أقيم في الأرض لعبادته تعالى.
وفي الصباح الباكر. شرع المقاتلون بهجومهم على الكعبة، يتقدّمهم ركّاب الفيلة، وفجأةً ظهرت في السماء أسراب هائلة من الطيور، تحمل في مناقيرها حجارةً صغيرةً، قامت بإلقائها فوق رؤوس أبرهة ورجاله، ارتفع صراخ العسكر وتعالى أنينهم وتوجّعهم، وبدأوا يتساقطون، الراكب منهم والراجل، الحصان وفارسه، الفيل وراكب الفيل، تساقطوا فوق بعضهم أكواماً من الجثث، وهكذا قضى الإله القدير على أعدائه المارقين. وكان هذا الحدث العجيب وراء تسمية تلك السنة بـ «عام الفيل»، العام الذي تمّ فيه القضاء - وبإرادة العلي القدير - على فيلة الحرب وركابها، بحجارةٍ صغيرةٍ اخترقت أجسادهم، وحفظ الله بيته من عدوان المعتدين.
محمد الأمين
في ذلك العام «عام الفيل» ولد الرسول الأكرم، لأمه آمنة بنت وهب. وكانت آمنة سليلة بيت الكرم والشرف، وقد اشتهرت بالسمعة الطيّبة والطهارة والعفاف، أمّا أبوه فكان يدعى عبد الله، الابن المحبوب من أبيه عبد المطلب (جد الرسول)، وسيد قومه، وموضع اعتزازهم واحترامهم. وقد فارق عبد الله الحياة قبل ولادة الرسول الأكرم (ص)، أمّا آمنة فقد انتقلت إلى رحمة ربّها بعد ولادته (ص) بستّ سنوات، فكفله جدّه عبد المطلب، وعهد به إلى امرأةٍ عفيفةٍ شريفةٍ، اسمها حليمة السعدية، لتقوم بإرضاعه ورعايته، وقد توفّي عبد المطلب بعد عامين، فأخذه عمه أبوطالبٍ إلى بيته، وتكفّل برعايته وتربيته.
كان أبوطالب يتعاطى التجارة، وكان من عادة تجار مكة أن يخرجوا بتجارتهم إلى الشام مرّةً في السنة، وقد رافق محمد (ص) عمه أبا طالبٍ في إحدى رحلاته إلى الشام.
عرف الجميع عن محمدٍ (ص) أمانته واستقامته، حتى اشتهر بينهم بـ «محمد الأمين». ولمّا علمت خديجة باستقامته وأمانته، وكانت من أشرف نساء مكّة وأكثرهنّ ثراءً، سلّمته أعمالها التجارية، فاكتسب خبرةً واسعةً بطرق وأصول التجارة، ثم ما لبثت أن أحبّت أخلاقه وعزّة نفسه، فتزوّجت منه، ووضعت بين يديه وفي تصرّفه، كامل ثروتها وأعمالها . .
فقام (ص) مستعيناً بقوّة شبابه وإرادته، وما وفّرته له زوجته من إمكانيّاتٍ، قام بمساعدة المظلومين، ومد يد العون إلى الفقراء المستضعفين.
رزق (ص) من خديجة بستة أبناء: ولدين أسماهما قاسماً وعبد الله، وقد توفّيا صغيرين قبل بعثته (ص)، وأربع بناتٍ هنّ رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة (ع). وكان (ص) كثير الصبر عظيم الجلد، فلم يبدر منه أيّ إحساس بالضعف لموت ولديه، بل تقبّل قضاء الله وحكمه بالرّضى والإقرار.
كان (ص) يتمتّع باحترامٍ شديدٍ بين الناس، وكانوا يرجعون إليه ليسادعهم في حل مشاكلهم، وكانوا يثقون به ويعتمدون عليه، ويودعون لديه أماناتهم، ولم تعرف عنه كذبه واحدة، لأنّه كان رجلاً صادقاً مؤمناً. (وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ) (القلم - 4).
كان الناس في تلك الأيام يعبدون الأصنام، بينما كان هو يعبد الله الواحد الأحد، ملّة جده إبراهيم الخليل (ع)، وكان يقضي معظم وقته يتعبّد في غار حراءٍ، وهو غار يقع على قمّة جبل في شمال مكّة. وكان يذهب خفيةً إلى هناك، فيقضي شهر رمضان بكامله، يصلي ويعبد ربّه ويناحيه.
مع تحياتي